الخميس، 11 ديسمبر 2008

لهذه الأسباب.. التمديد لعباس مرفوض فلسطينياً

لهذه الأسباب.. التمديد لعباس مرفوض فلسطينياً

بقلم ـ موسى راغب

الرئيس الفلسطيني محمود عباس
بغض النظر عن موافقة أو معارضة هذا الفصيل أو ذاك، على تجديد ولاية رئيس السلطة محمود عباس حتى يناير 2010، فقد ثبت (عملياً) أن أسلوب التفاوض الذي استخدمه- كخيار وحيد- في التعامل مع القضية الفلسطينية والعدو الإسرائيلي.. كان فاشلاً بكل معنى الكلمة. لذلك فإن المنطق يدعوه للانسحاب من الساحة السياسية (ولا أقول من ساحة النضال من أجل تحرير الأرض والإنسان الفلسطيني)، لأن الرئيس عباس كان دوماً وما زال يرفض خيار المقاومة في التصدي للاحتلال الإسرائيلي، بل ويحمل المقاومة الفلسطينية (زوراً وبهتاناً) مسئولية التردي الذي وصلت إليه القضية الفلسطينية والأوضاع الحياتية للفلسطينيين.

اتهام باطل وخال من المسئولية

فمنذ أن تم القضاء تماماً على بؤر الفساد الذي كان مستشرياً في قطاع غزه في يونيو 2007 حين سيطرت حركة حماس على مقاليد الأمور فيه بالقوة، تكاد تنطلق عبارة واحدة من عقال ألسنة العديد من الساسة والكتاب والصحفيين العرب ومنهم فلسطينيون لتقول: إذا كان الفلسطينيون يأكل بعضهم بعضاً.. فليذهبوا إلى .....

لهؤلاء وغيرهم نقول: المسألة يا سادة، ليست خلافاً على من يحكم أو سباقاً على الكراسي كما تعتقدون.. فهذه أمور لا قيمة لها لدى من يريد تحرير الأرض والإنسان من الاحتلال. كما أنه لا توجد أصلاً دولة فلسطينية ولا يحزنون، وإنما يوجد احتلال ما زال جاثماً على صدر الفلسطينيين بمختلف أطيافهم وانتماءاتهم السياسية والفصائلية منذ عام 48.. ويود لو يراهم دوماً يتقاتلون حتى يُؤتى على آخرهم، كما سبق أن تمنى رابين أن يصحو يوما فيرى قطاع غزه وقد غرق بمن فيه وما عليه في البحر.

فريق السلطة في رام الله وقادة "فتح أوسلو"، ما زالوا يصرون على انتهاج سبيل التفاوض مع العدو، رغم الفشل البيِّن الذي صاحبهم على هذا الطريق منذ التوقيع على اتفاق أوسلو عام 1993 وحتى اللحظة، ورغم أساليب التحايل والخداع والمماطلة التي اتبعها الكيان العبري وحلفاؤه الأمريكيون والأوروبيون، والتي تمثلت في طرح بدائل لاتفاق أوسلو، مثل مبادرة خريطة الطريق التي اقترحها بوش، ثم توصيات أنابوليس حول إقامة الدولة الفلسطينية الموعودة في موعد أقصاه نهاية هذا العام 2008.

الخلاف الحقيقي بين مشروعين متناقضين

الخلاف يا سادة هو بين مشروعين متناقضين لا سبيل للقائهما إلاَّ بدمجهما معاً، بحيث يكمل كل منهما الآخر ويدعمه كلما تطلب الأمر ذلك:

الأول- يتبناه رئيس السلطة محمود عباس (الذي نُصِّب مؤخراً رئيساً لدولة فلسطين، ونُصِّب من قبل رئيساً لمنظمة التحرير الفلسطينية، ويلقب دائما برئيس حركة فتح بالرغم من أن "فاروق قدومي" ما زال رئيساً للحركة ما لم أكن مخطئاً.. ومن يدري على ماذا سينصب مستقبلاً !!!) .. ويريد- عن طريق التفاوض- مع العدو إقامة كيان فلسطيني، حتى لو أتى هذا الكيان (وهو لا بد أن يأتي كذلك) "مسخاً" و "هشاً"، كالذي طرحته خريطة الطريق، وأوصى به مؤتمر أنا بوليس، وأسس له اتفاق أوسلو اللعين.

وليس من شك أن العدو يستطيع- عن طريق التفاوض- أن يفرض شروطه التي تحقق له السيطرة على هذا الكيان والتخلص منه متى شاء، ويكون أهله وأصحابه (الفلسطينيون) من حكام ومحكومين حينئذٍ أغياراً في وطنهم، ويعملون خدما وعبيداً لليهود.. سادة العالم، كما تبشر بروتوكولات حكماء صهيون.

والمعروف أن المفاوض الإسرائيلي بدئاً بحكومة بباراك (ما قبل عام 2000)، ومرورا بشارون، وانتهاء بأولمرت، كان يعمل دوما في إطار هدف واحد محدد وهو اقتطاع نحو 48% من أراضي الضفة، وضمها داخل ما يسمى بالخط الأخضر، الأمر الذي تحقق منه الشيء الكثير بفضل بناء الجدار الفاصل، وإقامة التجمعات الاستيطانية الضخمة، وإنشاء الطرق الالتفافية، إضافة لعمليات الاستيلاء المستمرة على أراضي الضفة تحت دعاوى متعددة.

أما المشروع الثاني والمقابل.. فهو مشروع المقاومة الذي يعمل على استمرار التصدي المسلح للاحتلال الإسرائيلي، انطلاقاً من أن المقاومة حق أقرته الشرائع السماوية والقوانين الوضعية لكل الشعوب المحتلة، كما أقرت استخدام كل الإمكانات والوسائل المتاحة لديها لطرد الغازي المحتل من أراضيها.

وتتبنى هذا المشروع فصائل المقاومة الفلسطينية، التي تعارض توجهات عباس نحو إيقافها عن التصدي للعدو الإسرائيلي بالسلاح. وتعتبر حركتا حماس والجهاد الإسلامي على قمة المنادين بهذا المشروع، إضافة لفصائل فلسطينية أخرى بما فيها أجنحة تابعة لكتائب شهداء الأقصى.. الذراع العسكري لحركة فتح.

إسرائيل لا تفهم لغة التفاوض

الجميع يعلم أن الأسباب التي دفعت عباس وقادة "فتح أوسلو" ولا تزال، لتبني أسلوب التفاوض مع العدو (كخيار استراتيجي وحيد) لحل القضية الفلسطينية، هي أسباب أقل ما يقال فيها أنها تتعارض مع معطيات الواقع. فقد أثبت الاحتلال الإسرائيلي أكثر من مرة، أنه احتلال استعماري استيطاني دموي هدفه الأول والأخير الاستيلاء على كامل التراب الفلسطيني من البحر والنهر. وإن سياسة التفاوض التي ينادي بها إنما يستثمرها في إظهار نفسه أمام العالم، كمن يحرص على حل النزاع مع الفلسطينيين سلميا. هذا برغم أن الرئيس عباس ومؤيديه على يقين من أن أسلوب التفاوض، لا يمثل بالنسبة لإسرائيل أكثر من وسيلة مخدرة يستغلها لخداع العالم، والظهور أمامه وكأنه داعية سلام، وينبذ استخدام العنف في حل النزاع مع الفلسطينيين.

وقائع وشواهد لها دلالتها

غزة تحت الحصار
ومع ذلك فإنه ما زال يصر على الاستمرار في هذا الطريق، ما يثير تساؤلات عديدة عن الأسباب الحقيقية التي تدفع أبو مازن لانتهاجه هذا السبيل. وهنا لا بد من التذكير بوقائع وشواهد مأساوية قد تعين التائهين على رؤية حقيقة ما يجري على الساحة الفلسطينية بخاصة وفي المنطقة العربية بعامة، كما يعينهم في معرفة حقيقة أخرى مؤداها: إن فلسطين (أرض كنعان) أرض عربية، ولا يجوز التنازل عن شبر واحد منها لا لليهود ولا لغيرهم، مهما كانت قسوة الظروف التي يمر بها الفلسطينيون والعرب والمسلمون. ولعل من أظهر تلك الوقائع والشواهد:

1- ما زال عباس ومؤيدوه مصرِّين على أن اتفاقية أوسلو التي شارك هو بنفسه في التخطيط لها ووقع عليها، وكذلك مبادرة خريطة الطريق، وتفاهمات أنابوليس.. هي الأساس الصالح لحل القضية الفلسطينية. بمعنى أن أسلوب المفاوضات الذي طال أكثر من عشرة أعوام على الأقل دون أن يحقق نتائج إيجابية لصالح الفلسطينيين، ما زال- في نظر عباس ومؤيديه- الطريق القويم والوحيد للوصول مع الكيان العبري لحلول نهائية للقضية الفلسطينية.

2- الأخطر من ذلك، وبرغم أن أسلوب المفاوضات ثبت فشله، ما زال الرئيس عباس يصر على وقف المقاومة المسلحة للاحتلال (ولو باستخدام القوة)، بدعوى أن ذلك يمثل ضرورة ملحة من شأنها أن تدعم نجاح المفاوضات. وهو يعلم أن كل حركات التحرر في العالم أثبتت- بما لا يدع مجالاً للشك- أن شرط نجاح أي طرف في التفاوض، مرهون بما لديه من قوة على الأرض تدعمه وتقوي موقفه التفاوضي.

3- في هذا السياق، حمَّل عباس المقاومة الفلسطينية المسلحة مسئولية كل الكوارث التي وقعت على الشعب الفلسطيني، والتي هي (أصلاً) نتاج خالص لما صنعت يداه، حين وقع على اتفاق أوسلو الذي أقل ما يقال في نتائجه، أنه أوصل القضية الفلسطينية لما هي عليه الآن. كما أثارت خلافات بين السلطة وأرباب اوسلو من ناحية وبين الشعب الفلسطيني وفصائل المقاومة من ناحية أخرى، ما أدى لفرض حصار قاتل على مليون ونصف المليون فلسطينياً هم سكان غزه.

3- كان من النتائج المباشرة لهذه الخلافات، أن أصبح التنسيق بين المؤسسات الأمنية الفلسطينية وقوات الاحتلال في الضفة الغربية بإشراف المنسق الأمريكي الجنرال دايتون، سيفاً مسلطاً على رقاب عناصر المقاومة بمختلف انتماءاتهم الفصائلية، وبخاصة عناصر حركتي حماس والجهاد الإسلامي.

كما بدا واضحاً للعيان، أن جل ما يهدف إليه هذا التنسيق، هو تشكيل عناصر من الأمن الوطني الفلسطيني وتدريبهم ونشرهم في القرى والمدن الفلسطينية في الضفة (كما حدث في مدينتي جنين والخليل).. مهمتهم الرئيسة ملاحقة كافة عناصر المقاومة بمن فيهم عناصر طلائع شهداء الأقصى الذراع العسكري لحركة فتح التي ينتمي إليها الرئيس عباس، وليس لحفظ الأمن كما يدعي.

4- اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية التي كان يرئسها الراحل عرفات عند التوقيع على اتفاق أوسلو، بشرعية اغتصاب اليهود للأرض العربية التي أقاموا عليها كيانهم العبري عام 48. ولعل أخطر ما في هذا الاعتراف (مرحلياً)، أنه يعين في (غض الطرف) عن حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة لقراهم ومدنهم التي هُجِّروا منها عام 48 بالقتل والإرهاب.

5- تصاعدت- في ظل هذا الاتفاق اللعين- عملية الاستيطان في الأراضي المحتلة بمعدلات مخيفة، حتى أصبحت القدس الشرقية (كمثال) محاطة بسلسلة من الكتل الاستيطانية اليهودية الضخمة التي تحول دون تواصلها مع باقي أراضي الضفة الغربية، كما اقتربت نسبة الأراضي التي تقع في حرم ما يسميه الكيان العبري بالقدس الكبرى من 8% من مجمل أراضي الضفة الغربية، إن لم يكن أكثر من ذلك.

6- بناء الجدار العازل الذي اقتطع عشرات الآلاف من الدونمات، والتي جرى ضمها للكيان العبري تحت ستار دعاوى أمنية زائفة.. كاد يكتمل، حتى أصبحت عملية تهويد القدس بفضله قاب قوسين أو أدنى. ناهيك عن رفض اليهود لحق العودة، ورفضهم إعادة القدس الشرقية للفلسطينيين، فضلاً عن فرض شروط مجحفة بشأن استخدام الفلسطينيين للمياه، وإصرارهم على تجريد الدولة الفلسطينية الموعودة من السلاح حال قيامها.

7- سيطرة إسرائيل على حدود الدولة المرتقبة البرية والبحرية وعلى أجوائها.. وغير ذلك من الإجراءات التعسفية، إنما يستهدف إجبار الفلسطينيين (في النهاية) على الرحيل عن أرضهم للدول العربية المجاورة، تمهيداً لإقامة الدولة العبرية العنصرية (ذات الطابع اليهودي الخالص)، على كامل التراب الفلسطيني من البحر إلى النهر.

8- ربط الاقتصاد الفلسطيني عضويا باقتصاد الكيان العبري، بحيث يصعب عليه إنجاز أي نمو حقيقي من ناحية، وبلوغ مرحلة الاستقلال عن الاقتصاد الإسرائيلي من ناحية ثانية.

9- استمرار عباس في التمسك باتفاق أوسلو كمرجع رئيس للحوار مع العدو، هو اعتراف بالكيان العبري الذي قام على الأرض الفلسطينية التي اغتصبها اليهود عام 48، الأمر الذي يتعارض مع ثوابت غالبية الشعب الفلسطيني ومعظم فصائل المقاومة كما ذكرنا.

لهذه الأسباب وغيرها الكثير.. يعتبر إصرار عباس وقادة "فتح أوسلو" على "مواصلة المفاوضات مع العدو، على أساس اتخاذ (اتفاق أوسلو وتوابعه، ومبادرة خريطة الطريق، وتوصيات مؤتمر أنابوليس، كمرجعيات لتلك المفاوضات من ناحية، وإصراره على التخلص من فصائل المقاومة المسلحة ولجوئه للتنسيق مع العدو والمنسق الأمريكي للقضاء على عناصرها).. يعتبر مخالفاً للثوابت الفلسطينية، الأمر الذي لا بد أن يدفع الشعب الفلسطيني بمختلف أطيافه السياسة لرفض التمديد له، وكذلك رفض دعوة وزراء الخارجية العرب لعباس بالبقاء في منصبه تحت أية دعاوى.

وبقول آخر.. تعتبر دعوة وزراء الخارجية العرب التمديد لعباس، مرفوضة من فصائل المقاومة الفلسطينية التي ما زالت تتمسك بالتصدي للاحتلال بالسلاح، كما ترفضها الغالبية العظمى من الشعب الفلسطيني. ذلك أن رئيس السلطة في رام الله، لا يعترف أساساً بجدوى المقاومة المسلحة للعدو، بل ويحاول القضاء عليها بالقوة، كما يرفض التنسيق معها على أساس الثوابت الفلسطينية التي لا تقبل الاعتراف بالكيان العبري، ولا تقبل بالتخلي عن استخدام السلاح في مقاومة الاحتلال.

الخلاف.. هو بين غالبية الشعب الفلسطيني وبين قادة "فتح أوسلو"

مأساة إنسانية في القطاع
ولعل من المفيد للقارئ أن يطلع على رأي حركة حماس في هذا الشأن، باعتبارها الطرف الرئيس المقابل للسلطة وحركة "فتح أوسلو" فيما يسمى بالخلاف الدائر على الساحة الفلسطينية. فقد أكدت في بيان لها على أن قرار وزراء الخارجية العرب"يعني عملياً التمديد لولايته (أي عباس)، وهو ما يتعارض مع القانون الأساسي للسلطة الفلسطينية من ناحية، ولا يخدم المصالحة الفلسطينية من ناحية أخرى، ويعمق الانقسام". كما أكدت تمسكها بخيار الحوار باعتباره وسيلة حضارية وعملية للاتفاق والتخلص من هذه الحالة التي تشهدها الساحة الفلسطينية.

كذلك انتقدت حماس عدم دعوة وزراء الخارجية لممثلين عنها لحضور الاجتماع، باعتبارها الطرف المقابل للسلطة في الخلاف القائم، واكتفوا بسماع طرف واحد وهو الممثل لوجهة نظر السلطة الفلسطينية وقادة "فتح أوسلو". وليس بعيدا عن هذه الانتقادات، التصريح الذي ألقاه الناطق باسم حركة حماس فوزي برهوم الذي قال فيه: إن "الشرعية لا تُفرض من الخارج، وإنما تأتي من صناديق الاقتراع، وبما يتفق مع الدستور الفلسطيني".

وبرغم ما يثار من ضجيج حول وجود خلافات وانقسامات على الساحة الفلسطينية، غير أن الحقيقة - في نظرنا على الأقل - هي غير ذلك تماما. فما هو موجود تياران متناقضان: أولهما يريد الوصول لحل سريع للقضية الفلسطينية مع العدو.. وهو لا يمثل إلا قلة من القادة الأوسلوويين الذين ساقهم القدر ليتفردوا بالشأن الرسمي الفلسطيني، ولا يزيد عدد هؤلاء عن أصابع اليدين.. والتيار الآخر الذي يتبنى المقاومة كوسيلة للتعامل مع العدو، وهو يحظى على تأييد الغالبية العظمى من الشعب الفلسطيني.

وهنا قد يعترض البعض على هذا التقويم للحالة الفلسطينية. لكن الرد على هذا الاعتراض يكمن في الدعوة للتفكُّر في الأسباب التي تدعو الغالبية العظمى من شعوب العالم الثالث، للرضوخ لأنظمة الحكم التي لا ترضى عنها وتقاسي منها الأمرين؟!.. والحالة الفلسطينية الراهنة لا تخرج عن هذا الإطار... أعتقد أن الإجابة واضحة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق